فصل: ذكر رحيله إلى الرملة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية **


 ذكر رحيله إلى الرملة

ثم رحل السلطان ثاني رمضان نصف الليل خشية على مزاجه من الحر ووصل بنا ضحوة النهار ونزل في خيمة أخيه وبات في تلك المنزلة وأصبح ثالث الشهر راحلاً إلى جهة الرملة فسار حتى أتاها ضحوة النهار ونزل بالثقل الكبير نزول إقامة ورتب العسكر ميمنة وميسرة وقلباً وأطعم الناس الطعام وأخذ جزءاً من الراحة وركب بين صلاتي الظهر والعصر وسار إلى لد ورآها ورأى بيعتها وعظم بنائها فأمر بخرابها وخراب قلعة الرملة فوقع الخراب في الموضعين في ذلك اليوم وفرق الناس فرقا لتخريب المكانين وأرباح ما فيها من التبن و الشعير في الأهراء السلطانية وأمر من كان فيها من المقيمين بالانتقال إلى المواضع العامرة وما كان بقي في المكانين إلا نفر يسير وظل الناس يخربون إلى أن أمسى المساء ثم عاد إلى خيمته وأصبح رابع رمضان فأقام الحجارين في المكانين ورتب عليهم من يستنجزهم في ذلك وهو يتردد عليهم في الأصائل حتى جاء وقت المغرب فمد الطعام وأفطر الناس وانفصلوا إلى خيمهم ووقع له أن يسير خفية في نفر يسير يشاهد أحوال القدس‏.‏

فسار من أول الليل حتى أتى بيت نوبة فبات فيها حتى أتى الصباح وصلّى ثم سار حتى أتى القدس في خامس الشهر وخلف أخاه في العسكر يحث الناس على الخراب وأقام ذلك اليوم يتصفح أحوال القدس في عمارته وميرته وعدته ورجاله وغير ذلك وظفر في ذلك غلمان الطواشي قايماظ بنفر من النصارى ومعهم كتب قد كتبها الوالي إلى السلطان قريبة التاريخ يذكر فيها أعواز البلد الغلة والعدة والرجال فوقف على الكتب وضربت رقاب كل من كان معهم وما زال يتصفح أحوال المكان ويأمر بسد خلله إلى الثامن وخرج سائراً إلى العسكر بعد صلاة الظهر فبات في بيت نوبة‏.‏

وفي هذا اليوم وصل عز الدين قيصر شاه صاحب ملطية ابن قليج أرسلان وافداً عليه مستنصراً به على أخوته وأبيه فإنهم كانوا يقصدون أخذ بلدة منه فلقيه الملك العادل قاطع لد فاحترمه وأكرمه ثم لقيه الملك الأفضل وضربت خيمته قريباً من لد‏.‏

وفي ذلك اليوم خرج من العدو الحشاشة فحمل عليهم اليزك ووصل الخبر إلى عسكرهم فخرج إلى نصرتهم خيالة وجرى بينهم وبين اليزك قتال وذكر بعض الأسرى أنه كان معهم الأنكتار وأن مسلما قصد طعنه فحال بينه وبينه إفرنجي فقتل الإفرنج وجرح هو هكذا ذكروا والله أعلم‏.‏

ولما كان التاسع وصل رحمه الله إلى العسكر ولقيه الناس مستبشرين بقدومه ولقيه ابن قليج أرسلان فنزل له واحترمه وأكرمه ونزل في خيمته وأقام يحث الناس على التخريب وتتواصل أخبار العدو إليه ويقع بينهم وبين اليزك وقعات ويسرق العرب من خيولهم ويقاتلهم رجالهم‏.‏

ذكر وصول رسول مركيس وفي غضون ذلك وصل رسول المركيس يذكر أنه يصالح الإسلام بشرط أن يعطى صيدا وبيروت على أن يجاهر الإفرنج بالعداوة ويقصد عكا ويحاصرها ويأخذها منهم واشترط أن يبذل للسلطان اليمين على ذلك ابتداء قسير العدل النجيب وحمله الإجابة إلى ملتمسه لقصد فصله عن الإفرنج فإنه كان خبيثاً ملعوناً وكان قد استشعر منهم أخذ بلده وهي صور فانحاز عنهم واستعصم بصور وهي منيعة فقال ذلك القول لهذا السبب وسار النجيب العدل مع رسوله في الثاني عشر واشترط عليه أن يبدأ بمجاهرة القوم وحصار عكا أخذها وإطلاق من بها وبصور من الأسرى وعند ذلك يسلم إليه الموضعان‏.‏

وفي عشية ذلك اليوم خرج رسول ملك الأنكتار إلى الملك العادل في تحريك سلسلة الحديث في الصلح‏.‏

ولما كان الثالث عشر من رمضان رأى السلطان أن يتأخر العسكر الجميل ليتمكن الناس من إنقاذ دوابهم إلى العلوفة فإنّا كنّا على الرملة قريبين من العدو ولا يمكن التفريط في الدواب خشية المهاجمة فرحل ونزل على جبل متصل بجبل النطرون بالثقل الكبير وجمع العساكر ما عدا اليزك على العادة وذلك بعد خراب الرملة ولد ولما نزل هناك دار حول النطرون وأمر بخرابها وكانت قلعة منيعة حصينة من القلاع المذكورة فشرع في خرابها‏.‏

وترددت الرسل بين الملك العادل والأنكتار يذكرون أنه قد سلم أمر الصلح إلى الملك العادل وأخلد إليه وخرج في عشرة أنفس إلى اليزك فأخبروه بأخبار طيّبة وكتب بها إلى السلطان في السابع عشر وكان مما اخبره به أخوه أن الملك افرنسيس مات وكان موته بأنطاكية عن مرض عرض له وأن الأنكتار عاد إلى عكا وكان سبب عوده أنه صح عند مراسلة المركيس للسلطان وبلغه أن المركيس قد انتظم الحال بيننا وبينه وأنه قد استقرت القاعدة على عكا فعاد هو إلى عكا لفسخ هذه المصالحة واسترجاع المركيس إليه فركب السلطان إلى اليزك واجتمع بأخيه في لد وسأله عن الأخبار وعاد إلى المخيم وقت العصر وأتى باثنين من الإفرنج قد تخطفهم اليزك فأخبروا بصحة موت الإفرنسيس وعود الأنكتار إلى عكا‏.‏

 ذكر مسير الملك العادل إلى القدس

ولما كان التاسع عشر اقتضى الحال تفقد القدس والنظر في عمارته وكان الملك العادل قد عاد من اليزك وعلم بعد مسير مقدمي الإفرنج عنا فرأى أن يكون هو الذي يسير فسار في هذا اليوم لهذا الغرض‏.‏

وفي تاريخ هذا اليوم وصل كتاب من تقي الدين يخبر فيه أن قزل صاحب ديار العجم ابن يلدكز قفز عليه أصحابه فقتلوه وقيل أن ذلك كان من تحت يد زوجته تعصباً للسلطان طغريل وجرى بسبب قتله خبط عظيم في بلاد العجم وكان قتله في أوائل شعبان من هذه السنة‏.‏

ولما كان الحادي والعشرون من رمضان قدم الملك العادل من القدس وفي هذا التاريخ وصل كتاب من الديوان العزيز النبوي يذكر فيه قصد الملك المظفر تقي الدين خلاط ويذكر فيه العناية التامة ببكتمر ويشفع في حسن بن قفجاق والتقدم بإطلاقه وكان قد قبض عليه مظفر الدين بن زين الدين بإربل ويتقدم بمسير القاضي الفاضل إلى الديوان لبث حال وفصل أمر وسير الكتاب إلى الفاضل ليقف عليه ويكتب إلى تقي الدين‏.‏

 ذكر أخبار يزك كان على عكا

ولصوص دخلوا في خيام العدو

ولما كان الثاني والعشرون أحضر لصوص فرساً وبغلة قد دخلوا إلى خيم العدوّ وسرقوهما وكان قد رتب رحمه الله ثلاثمائة لص من شلوح العرب يدخلون ويسرقون منهم أموالهم وخيولهم ويسرقون الرجال أحيانا وذلك أنه يكون الواحد منهم نائماً فيوضع على حلقه الخنجر ثم يوقظ فيرى الشلح وقد وضع الخنجر على نحره فيسكت ولا يتجاسر أن يتكلم فيحمل وهو على هذا الوضع إلى أن يخرج من الخيم ويؤخذ أسيرا وتكلم منهم جماعة فنحروا فصار من أصابه ذلك لا يتكلم واختاروا الأسر على القتل وداموا على ذلك مدة طويلة إلى انتظام الصلح‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل من اليزك من أخبر أنهم خرجوا من عكا يتفسحون وأن اليزك حمل عليهم فأسر منهم أحداً وعشرين نفساً وأن الأسرى أخبروهم بصحة عود الأنكتار إلى عكا وأنه مريض بها وخبروا عن ضعف أهل عكا وفقرهم وقلة الميرة عندهم‏.‏

وفي هذا التاريخ وصل للعدو مراكب عدة قيل أنها وصلت من عكا وأن فيها الأنكتار قد عاد بجماعة عظيمة ليقصد عسقلان ويعمرها وقيل يقصد القدس والله اعلم‏.‏

ولما كان الرابع والعشرون وصل الأسرى المذكورون من الزيب وكان وصولهم فرحاً للمسلمين مبشراً بكل خير وفيه وصل رسول قزل وكان قد سيّره قبل وفاته ورسول ابن أخيه إيناج وفي عشيته وصل رسول من الأنكتار معه حصان إلى الملك العادل في مقابلة هدية كان أنفذها عليه وفيه وصل خبر وفاة حسام الدين لاجين بدمشق لمرض كان اعتراه فصعب على السلطان موته وشق عليه وفيه وصل كتاب من سامة يذكر فيه أن البرنس أغار على جبلة واللاذقية وانه كسر كسرة عظيمة وقتل منه جماعة وعاد إلى أنطاكية‏.‏

 ذكر رسول الملك العادل إلى الأنكتار

ولما كان السادس والعشرون كان اليزك للعادل فطلب الأنكتار رسوله فأنفذ الصنيعة وهو كاتبه‏.‏

وكان شاباً حسناً فوصل إليه وهو في بازور قد خرج في جمع كثير من الرجالة وانبثوا في تلك الأرض فاجتمع به وسار معه زمناً طويلا وحادثه في معنى الصلح وقال لا ارجع عن كلام أتحدث به من أخي وصديقي يعني العادل وذكر له كلاماً وعاد وأخبره به فكتبه الملك العادل في رقعة وأنفذها إلى السلطان وكان يتضمن أنك تسلم عليه وتقول له إن المسلمين والإفرنج قد هلكوا وخربت البلاد وخرجت من يد الفريقين بالكلية وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين وقد أخذ هذا الأمر حقه وليس هناك حديث سوى القدس والصليب والبلاد والقدس متعبدنا ما ننزل عنه ولو لم يبق منا إلاّ واحدا‏.‏

وأما البلاد فيعاد إلينا ما هو قاطع الأردن‏.‏

وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له وهو عندنا عظيم فيمنّ به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا التعب‏.‏

ولما وقف السلطان على هذه الرسالة استدعى أرباب المشورة في دولته واستشارهم في الجواب والذي رآه السلطان أن قال القدس لنا كما هو لكم وهو عندنا أعظم مما هو عندكم فإنّه مسرى نبيّنا ومجتمع الملائكة فلا تتصوّر أن ننزل عنه ولا نقدر على التفريط بذلك بين المسلمين وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل واستيلاؤكم عليها كان طارئاً عليها لضعف من كان فيها من المسلمين في ذلك الوقت وما يقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائما وما في أيدينا منها نأكل بحمد الله مغله وننتفع به‏.‏

وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة لا يجوز لنا أن نفرّط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها وسار هذا الجواب إليه مع الواصل منه‏.‏

 ذكر هرب شيركوه بن باخل الكردي

من عكا وكان أسيراً ولما كان آخر السادس والعشرين وصل شيركوه بن باخل وهو من جملة الأمراء المأسورين بعكا وكان من قصته أنه هرب ليلة الحادي والعشرين وذلك أنه كان ادّخر له حبلاً في مخدّته وكان الأمير حسن بن باريك ادّخر له حبلاً في بيت الطهارة واتفقا على الهرب ونزلا من طاقة كانت في بيت الطّهارة وانحدرا من السور الأوّل وعبر شيركوه من الباشورة وكان ابن باريك حالة نزوله انقطع به الحبل ونزل شيركوه سليماً فرآه وقد تغير من الوقعة فكلّمه فلم يجبه وحرّكه فلم يتحرّك فهزّه لعلّه ينشط فيسير معه فلم يقدر فعلم أنه إذا أقام عنده أخذا جميعا فتركه وانصرف واشتد هرباً في قيوده حتى أتى تل العياضية وقد طلع الصبح فأكمن في الجبل حتى علا النهار وكسر قيده وسار وستر الله حتى أتى المعسكر ومثل بخدمة السلطان وكان من أخباره أن سيف الدين المشطوب ضيّق عليه وأنه قطع على نفسه قطيعة عظيمة من خيل وبغال وأنواع الأموال وأن الملك الأنكتار أتى عكا وأخذ كل ما له بها من خدمه ومماليكه وأقمشته ولم يبق له منها شيئاً وأن فلاحي الجبل يمدونه بالميرة مدداً عظيماً وأن طغرل السلحدار أخذ خواص مماليك السلطان وهربوا قبل هروبه‏.‏

 ذكر رسالة سيّرني فيها الملك العادل

إلى السلطان مع جماعة من الأمراء

وذلك أنه لما كان التاسع والعشرون من رمضان استدعاني الملك العادل في صحبته واحضر جماعة من الأمراء علم الدين سليمان وسابق الدين وعز الدين بن المقدم وحسام الدين بشارة وشرح لنا ما عاد به رسوله من الأنكتار من الرسالة والكلام وذلك أنه ذكر أنه قد أراد أن يتزوج الملك العادل بأخت الأنكتار وكان قد استصحبها معه من صقلية فإنها كانت زوجة صاحبها وقد مات فأخذها أخوها لما اجتاز بصقلية فاستقرت القاعدة على أن يكون مستقر ملكها بالقدس وأن أخاها يعطيها بلاد الساحل التي بيده من عكا إلى يافا وعسقلان إلى غير ذلك ويجعلها ملكة الساحل ويجعله ملك الساحل ويكون ذلك مضافاً إلى ما في يده من البلاد والإقطاع وأنه يسلم إليه صليب الصلبوت وتكون القرى للداوية و الأسبتار والحصون لهما وأسرانا تفك وكذلك أسراهم وأن الصلح يستقر على هذه القاعدة ويرحل الأنكتار طالباً بلاده في البحر وينفصل الأمر هكذا ذكر رسول العادل عن الأنكتار‏.‏

ولما عرف ذلك العادل بنى عليه أن استحضرنا عنده وحمّلنا هذه الرسالة إلى السلطان وجعلني المتكلم فيها ولجماعة يسمعون ونعرض عليه هذا الحديث فإن استصوبه ورآه مصلحة للمسلمين شهدنا عليه بالإذن في ذلك والرضا به وإن أباه شهدنا عليه أن الحال في الصلح قد انتهى إلى هذه الغاية وأنه هو الذي رأى إبطاله فلما مثلنا بالخدمة السلطانية عرضت عليه الحديث وتلونا عليه الرسالة بمحضر من الجماعة المذكورين فبادر إلى الرضا بهذه القاعدة معتقداً أن الأنكتار لا يوافق على ذلك أصلا فإن هذه منه مكر وهزل فكررت عليه الرضا بذلك ثلاث مرات وهو يقول نعم ويفرح ويشهد على نفسه به فلما تحققنا منه ذلك عدنا إلى الملك العادل فعرّفناه بما قال وعرّفه الجماعة أني كررت عليه الحديث في تقييد الشهادة عليه وأنه أصرّ على الإذن في ذلك واستقرّت القاعدة عليه‏.‏

 ذكر عودة الرسول إلى الأنكتار بالجواب عن هذه الرسالة

ولما كان ثاني شوال سار ابن النحال رسولا من جانب السلطان ومن جانب الملك العادل فلما وصل إلى مخيم العدو وأنفذ من عرف الملك بقدومه أنفذ إليه من قال له أن الملكة عرض عليها أخوها النكاح فسقطت من ذلك وغضبت بسببه وأنكرت ذلك إنكاراً عظيماً وحلفت بدينها المغلظ من يمينها أنها لا تفعل ذلك وكيف تمكن مسلماً من غشيانها ثم قال أخوها‏:‏ إن الملك العادل يتنصر وأنا أتمم ذلك وترك باب الكلام مفتوحا‏.‏

ولما كان خامس شوال وصل الخبر أن الأسطول الإسلامي استولى على مراكب الإفرنج وفيها مركب يعرف بالسطح قيل أنه كان فيه أنفر وزائد على ذلك وأنه قتل منهم خلق عظيم واستبقى منهم أربعة مذكورون وسرّ المسلمون بذلك وضربت بشائر النصر ونعق بوق الظفر ولما كان سادس شوّال جمع السلطان أكابر الأمراء وأرباب الآراء من دولته وشاورهم كيف يصنع إن خرج العدو وكان قد تواصلت الأخبار عنهم أنهم قد اتفقوا على الخروج إلى العسكر الإسلامي فانفصل الرأي بين ذوي الآراء على أنهم يقيمون بمنزلهم بعد تخفيف الأثقال فإن خرج الإفرنج كانوا على لقائهم‏.‏

وفي عشية ذلك اليوم استأمن من الإفرنج اثنان على فرسين وأخبرا أن العدو على عزم الخروج وأنهم زهاء عشرة آلاف فارس وذكر أنهم لا يعرفون قصدهم وهرب أسير مسلم من جانبهم وأخبر أنهم قد أظهر الخروج إلى الرملة ثم فيها يتعقون على موضع يقصدونه‏.‏

ولما تحقق السلطان أمر الجاويش أن ينادي في العسكر حتى يتجهز جريدة وشدت الرايات واتفق على أنه يقف قبالة القوم إن خرجوا وسار في السابع مؤيداً منصوراً حتى أتى قبلي كنيسة الرملة ليلاً فخيّم هناك ليليه‏.‏

 ذكر خروج الإفرنج من يافا

ولما كانت صبيحة الثامن رتب الأبطال للقتال وسلم اليزك للملك العادل وتبعه من يريد من الغزاة وكان قد وصل وجماعة من الروم يريدون الغزاة فخرجوا في جملة من خرج فلما وصلوا إلى خيام الإفرنج هجم عليهم المماليك السلطانية لقوة جأشهم وأنسهم بقتالهم وثقتهم بمراكبهم ورموا عليهم النشاب فرآهم الغزاة والواصلون من الروم فاغتروا بإقدامهم ووافقوهم في فعلهم وقاربوا عسكر العدو فلما رأى الإفرنج تلك المضايقة والمنازلة ثارت هممهم وحركتهم نخوتهم فركبوا من داخل الخيام وصاحوا صيحة الرجل الواحد وحملوا في جمع كثير فنجا من سبق به جواده وقدر في القدم نجاته وظفروا بجماعة فقتل منهم ثلاثة نفر ونقلوا خيامهم إلى بازور وأقام السلطان في تلك الليلة بمنزلته إلى الصباح‏.‏

 ذكر وفاة تقي الدين الملك المظفر

ولما كان الحادي عشر ركب السلطان إلى جهة العدو فأسرف عليهم ثم عاد وأمرني بالإشارة إلى أخيه بأن يحضر معه علم الدين سليمان وسابق الدين وعز الدين بن المقدم فلما مثل الجماعة بين يديه أمر خادماً أن يخلي المكان عن غير الحاضرين وكنت في جملتهم وأمر بإبعاد الناس عن الخيمة ثم أخرج كتاباً من قباه وفضّه ووقف عليه وبدت دموعه وغلبه البكاء والنحيب حتى وافقناه من غير أن نعلم السبب ما هو وفي أثناء ذلك ذكر أنه يتضمن وفاة الملك المظفر فأخذ الجماعة في البكاء حتى أتوا بوظيفته ثم ذكرته لله تعالى وانتهاء قضائه وقدره فقال أستغفر الله إنّا لله وإنّا إليه راجعون ثم قال‏:‏ المصلحة كتم ذلك وإخفاؤه لئلا يتصل بالعدو ونحن ننازله‏.‏

ثم أحضر الطعام فأكلوا الجماعة وانفصلوا وكان الكتاب الواصل المتضمن نعيه هو غير الكتاب الواصل إلى حماة بنعيه في طي كتاب وصل من النائب بها وكانت وفاته بطريق خلاط عائداً إلى ميافارقين فحمل ميتاً إلى ميافارقين ثم عملت له تربة عليها مدرسة مشهورة بأرض حماة وحمل إليها وزرت ضريحه وكانت وفاته تاسع عشر رمضان سنة سبع وثمانين‏.‏

ذكر كتاب وصل من بغداد

ولما كان الثاني عشر من شوال وصل من دمشق كتاب من النواب بها في طيه كتاب من بغداد من الديوان العزيز النبوي مجده الله يتضمن فصولاً ثلاثة‏:‏

الفصل الأول الإنكار على الملك المظفر في مسيره إلى بكتمر وبولغ فيه حتى قيل إن الديوان العزيز لا يسلمه‏.‏

والفصل الثاني يتضمن الإنكار على مظفر الدين في إمساك حسن بن قفجاق والأمر بإعادته إلى الكرخاني وبولغ فيه حتى قيل إن الديوان العزيز لم يأذن لغيره في سكناها‏.‏

وكانت قصة حسن بن قفجاق أنه قصد أرمية إلى السلطان طغريل فإنه كان قد نزل به في معونته لما هرب من ديار العجم واستنصر به وتزوج أخته ووقع في ذهنه أنه يكون أتابكه ويملك به البلاد فقصد أرمية فقتل أهلها على ما قيل وسبى نساءهم وذراريهم وتعرض للقوافل وكان معقله الكرخاني فلما وجد السلطان طغريل قوته تركه وانصرف عنه وعاد إلى بلاده وأظهر الفساد في الأرض والتعرض للقوافل على ما قيل فاستعطفه مظفر الدين صاحب إربل حتى عاد إليه وانخرط في سلك أصحابه وقبض عليه وأنفذ إلى الديوان العزيز ذلك وفي معناه استيلاء مظفر الدين على بلاده ولعله تشفع إلى الديوان فاقتضت عاطفته ذلك في حقه‏.‏

وأما الفصل الثالث فكان يتقدم بإحضار القاضي الفاضل في الديوان رسولاً لتقرر عليه قواعد ويسر إليه أسباب‏.‏

هكذا كان مضمون الكتاب وأما الجواب عنه فإن السلطان أجاب عن الفصل الأول بأنا لم نأمره بشيء من ذلك وإنما عبر ليجمع العساكر ويعود إلى الجهاد فاتفقت أسباب اقتضت ذلك وقد أمرنا بالعود‏.‏

وأما الفصل الثاني فأجاب عنه بأن عرفهم حال بأن قفجاق وما تصدى له من الفساد في الأرض وأنه تقدم إلى مظفر الدين حتى يحضره معه إلى الشام فيقطعه فيه ويكون ملازماً للجهاد‏.‏

وأما الفصل الثالث فإنه اعتذر عن القاضي الفاضل بأنه كثير الأمراض وقوته تضعف عن الحركة إلى العراق‏.‏

فهذا اكن حاصل الجواب‏.‏

 ذكر وصول صاحب صيدا رسولاً

ولما كان ثالث عشر شوال وصل من أخبر بوصول صاحب صيدا من جانب المركيس صاحب صور وكان قد جرى بيننا وبينه أحاديث مترددة حاصلها أنهم ينقطعون عن الإفرنج ونصرتهم ويصيرون معنا عليهم بناء على فتنة كانت جرت للمركيس مع الملوك بسبب امرأة تزوجها كانت زوجة لأخي الملك جفري وقبح نكاحها بأمر اقتضاه دينهم فاضطربت آراؤهم فيه فخاف المركيس على نفسه فأخذ زوجته وهرب تحت الليل إلى صور وأخلد إلى السلطان والاعتضاد به وكان في ذلك مصلحة للمسلمين لانقطاع المركيس عن الإفرنج فإنه كان أشدهم بأساً‏.‏

وأعظمهم للحرب مراساً‏.‏

وأثبتهم في التدبير أساساً‏.‏

وحين اتصل خبر وصول هذا الرسول بالسلطان أمر بإجلاله واحترامه فضربت خيمة وضرب حولها شقة ووضع فيها من الطرح والفرش ما يليق بعظمائهم وملوكهم وأمر بإنزاله في الثقل يستريح ثم يجتمع به‏.‏

 ذكر واقعة الكمين

الذي استشهد فيه إياس المهراني

ولما كان سادس عشر شوال أمر السلطان الحلقة أن كمنت للعدو في بطون أودية هناك واستصحبوا جماعة من العرب فلما استقر الكمين في موضعه ظهرت العرب على جاري عادتها في مناوشتها العدو وكان العدو تخرج منه جماعة للاحتشاش والاحتطاب قريباً من مخيمة تضرب العرب وتضرب العرب عليهم فضربوا عليهم ووقع الحرب وثار الصياح وسمع العدو فركب منهم جمع من الخيالة وطلبوا جهة العرب فانهزم العرب بين أيديهم إلى جهة الكمين والعدو يتبعهم طمعاً حتى قاربوا الكمين فخرج الكمين عليهم وصاحوا بهم صيحة الرجل الواحد فانهزموا بين أيديهم نحو خيامهم واتصل الخبر بالعدو فركب منهم خلق عظيم وقصدوا نحو الوقعة والتحم القتال واشتد الأمر وقتل جمع من الطائفتين وأسر وجرح من العدو وأخذ منهم خيل كثيرة وكان سبب انفصال الحرب أن السلطان أحس بهذه الوقعة فأنفذ أمراء أخر أسلم وسيف الدين يازكج ومن يجري مجراهما ردأً للمسلمين وقال‏:‏ إذا رأيتم الغلبة على الكمين فاظهروا‏.‏

فلما رأوا الكثرة من جانب العدو وخرجوا بخيلهم ورجلهم ولما رأى العدو الأطلاب الإسلامية قد صوبت نحوه أعنة خيلها ولوا الأدبار نحو خيامهم والسيف يعمل في أقفيتهم حتى دخلوا الخيام‏.‏

وانفصل الحرب قبيل الظهر وكان السلطان قد ركب متشوّفاً أخبار الكمين وكنت في خدمته وكان أول من دخل من الوقعة ووصل جماعة من العرب ومعهم خمس رؤوس من الخيل قد أخذوها وانفصلوا قبل انفصال الحرب وما زالت الطلائع تتواتر والبشائر تتواصل وقتل العدو زهاء ستين نفراً وجرح من المسلمين جماعة منهم إياس المهراني وكان شجاعاً معروفاً واستأمن اثنان بخيولهما وعدتهما وعاد السلطان إلى خيمته فرحاً مسروراً معرضاً من قتل وفي بقية هذا اليوم وصل رسول الأنكتار إلى الملك العادل يعتبه على الكمين ويطلب الاجتماع به‏.‏

 ذكر ما جرى للملك العادل والأنكتار واجتماعهما

ولما كان الثامن عشر سار الملك العادل إلى اليزك وضربت له قبة عظيمة وسار ومعه من الأطعمة والحلاوات والتجملات والتحف وما جرت العادة أن يحمل من ملك إلى ملك وهو إذا تجمل في ذلك لا يغلب وسار الأنكتار إلى خيمته وحضر عنده فاحترمه احتراماً عظيماً ووصل مع الأنكتار إلى خيمته وأحضر من طعامهم الذي يختصون به ما أتحف به الملك العادل على وجه المطايبة فتناول منه الملك العادل وتناول هو وأصحابه الواصلون معه من طعام الملك العادل وتحادثا معظم ذلك النهار وتفاصلا على تواد ومحبة أكيدة‏.‏

ذكر الرسالة التي أنفذها الأنكتار إلى السلطان وفي ذلك اليوم سأل الأنكتار الملك العادل أن يلتمس من السلطان الاجتماع به والمثول بين يديه‏.‏

ولما وصلت هذه الرسالة شاور السلطان الجماعة في الجواب فما منهم من وقع له ما وقع للسلطان‏.‏

وذلك أنه قال‏:‏ الملوك إذا اجتمعوا يقبح منهم المخاصمة بعد ذلك فإذا انقطع أمر حسن الاجتماع والاجتماع لا يكون إلا لمفاضة في مهم وأنا لا أفهم بلسانك وأنت تفهم بلساني ولا بد من ترجمان بيننا نثق أنا وأنت به فليكن ذلك الترجمان رسولاً حتى يستقر أمر وتستتب قاعدة وعند ذلك يكون الاجتماع الذي يعقبه الوداد والمحبة‏.‏

قال الرسول‏:‏ ولما سمع الأنكتار هذا الجواب استعظمه وعلم أنه لا يقدر على بلوغ غرض إلا بالدخول تحت المراضي السلطانية ولما كان التاسع عشر جلس السلطان واستحضر صاحب صيدا لسماع رسالته وكلامه فحضر وحضر معه جماعة وصلوا معه وكنت حاضر المجلس فأكرمه إكراماً عظيماً وحادثهم وقدم بين أيديهم ما جرت به العادة‏.‏

ولما فرغ الطعام خلا بهم وكان حديثهم في أن السلطان يصالح المركيس صاحب صور وكان قد انضم إليه جماعة من أكابر الإفرنجية منهم صاحب صيدا وغيره من المعروفين وقد سبقت قصته وكان من شروط الصلح معه إظهار عداوة الإفرنج البحرية وكان سبب ذلك شدة خوفه منهم وواقعة وقعت له معهم بسبب الزوجة وبذل له السلطان الموافقة على شروط قصد بها الإيقاع بينهم وأن يقتل بعضهم فلما سمع السلطان حديثه وعد أن يرد عليه الجواب فيما بعد وانصرف عنه في ذلك اليوم‏.‏

 ذكر وصول رسول الأنكتار

وهو ابن الهنغري وصل وفي صحبته شيخ كبير ذكروا أن عمره مائة وعشرون سنة فأحضره السلطان عنده وسمع كلامه‏.‏

وكانت رسالته أن الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنك ذكرت أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد أن تكون حكماً بيني وبينه ولا بد أن يكون لنا علقة بالقدس الشريف ومقصودي أن نقسم بحيث لا يكون عليه لوم من المسلمين ولا علي لوم من الإفرنجية فأجابه في الحال بوعد جميل ثم أذن له في العود في الحال وتأثر بذلك تأثراً عظيماً وأنفذ وراءهم من سألهم عن حديث الأسارى وكان منفصلاً عن حديث الصلح‏.‏

فقال‏:‏ إن كان صلح فعلى الجميع وإن لم يكن صلح فلا يكون من حديث الأسارى شيء وكان غرضه رحمه الله أن ينسخ قاعدة الصلح فإنه التفت إلي في آخر المجلس بعد انفصالهم وقال متى ما صالحناهم لا تؤمن غائلتهم فإنني لو حدث لي حادث الموت ما تكاد تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج فالمصلحة أن لا نزال على الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت‏.‏

هذا كان رأيه قدس الله روحه وإنما غلب على الصلح‏.‏

 ذكر مشورة ضربها في التخيير بين الصلح بين الأنكتار والمركيس

ولما كان حادي عشر شوال جمع السلطان الأمراء والأكابر وأرباب المشورة وذكر لهم القاعدة التي التمسها المركيس واستقر الأمر من جانبه عليها وهي أخذ صيدا وأن يكون معنا على الإفرنج ويقاتلهم ويجاهرهم بالعدوان وذكر ما التمسه الملك من تقرير قاعدة الصلح وهي أن تكون لنا من القرى الساحلية مواضع معينة وتكون لنا الجبليات بأسرها أو تكون القرى كلها مناصفة وعلى هذين القسمين يكون لهم قسوس فيبيع القدس الشريف وكنائسه‏.‏

وكان الأنكتار قد خيرنا بين هذين القسمين فشرح قدس الله روحه الحال في القاعدتين للأمراء واستنبط آراءهم في ترجيح أحد الحالين فرأى أرباب الرأي أنه إن كان صلح فليكن مع الملك فإن مصافاة الإفرنج للمسلمين بحيث يخالطوهم بعيدة غير مأمونة الغائلة‏.‏

وانفض الناس وبقي الحديث متردداً في الصلح والرسل تتواتر في تقرير قواعد الصلح‏.‏

وأصل التقاعد أن الملك قد بذل أخته للملك العادل بطريق النرويج وأن تكون البلاد الساحلية الإسلامية والإفرنجية لهما فأما الإفرنجية فلها من جانب أخيها والإسلامية له من جانب السلطان وكان آخر الرسائل من الملك في المعنى أن قال‏:‏ إن معاشر دين النصرانية قد أنكروا علي وضع أختي تحت مسلم بدون مشاورة البابا وهو كبير دين النصرانية ومقدمه وها أنا أسيّر رسولاً يعود في ستة أشهر فإن أذنت فيها ونعمت وإلا زوجتك ابنة أخي وما أحتاج إلى إذنه في ذلك‏.‏

هذا كله وسوق الحرب قائم والقتال عليهم ضربة لازم وصاحب صيدا يركب مع الملك العادل في الأحيان ويشرف على الإفرنج وهم كلما رأوه تحركوا لطلب الصلح خوفاً من أن ينضاف المركيس إلى المسلمين وعند ذلك تنكسر شوكتهم ولم يزل الحال كذلك إلى خامس عشر شوال‏.‏

ذكر رحيله رحمه الله إلى تل الجزر ولما كان ذلك اليوم أصبح الملك على عزم الرحيل وأحضر أرباب الرأي وشاورهم في جواب رسالة القوم وعرض عليهم حديثه وذكر ما عندهم في ذلك وأحضر الرسل وكان ابن الهنغري يترجم بينه وبين البحرين واستقرت القاعدة على أن ينفذ معهم رسولين‏:‏ رسولاً من جانبه ومن جانب العادل الآخر لأن الحديث كان يتعلق به وكان من جملة من رسالتهم أن البابا إن أذن في هذا العقد تم وإن لم يأذن زوجنا الملك العادل بابنة أخي الملك وهي بكر وذكروا أن من ينهم أن البابا إنما يحتاج إلى إذنه في تزويج الثيب من بنات الملوك وأما الأبكار فيزوجها أهلها‏.‏

وانفصل الحال على ذلك وسارت الرسل إلى خيم الملك العادل ليجهز رسول السلطان ويلحقه ثم وصل بعد ذلك من اليزك من أخبر أن الفرنج قد انتشر منهم راجل كثير وخرجوا عن الأسوار التي لهم ولم يظهر لخروجهم غائلة وسار رحمة الله عليه إلى تل الجزر لارتياد اليزك وتبعه الناس في الرحيل فما كان الظهر إلا ورحل الناس إلى السلطان ونزلنا بتل الجزر‏.‏

ولما عرف الإفرنج بعود السلطان رحلوا عائدين وأقام السلطان بتل الجزر ثم رحل إلى جهة القدس الشريف ورحل الإفرنج إلى جهة بلادهم واشتد الشتاء واعظمت الأمطار وسار السلطان إلى القدس الشريف وأعطى العسكر دستوراً وأقمنا بالقدس في ذلك الشتاء أجمع‏.‏

وعاد العدو إلى بلادهم ووصل الأنكتار عساكره إلى يافا وعاد إلى عكا ينظر في أحوالها فأقام مدة ثم وصل منه رسول يقول إني أوثر الاجتماع بالملك العادل ففيه مصلحة تعود على الطائفتين فقد بلغني أن السلطان فوض أمر الصلح إلى أخيه الملك العادل فاتفق الرأي في مضي الملك العادل على أنه يمضي بحيث يجتمع بعساكرنا التي في الغور وكوكب وتلك النواحي ويحدثه ويقول له أن الحديث جرى بيننا مراراً وما أسفر عن مصلحة فإن كانت هذه الدفعة كتلك الدفعات فلا حاجة إلى الحديث وإن كان الغرض بت حال فقارب الحال وأنا لا أجتمع بك إلا أن رأي ما يقارب فصل الحال وقرر مع الملك العادل أن رأى ما يمكن معه فصل الحال وإلا طاوله وماطله إلى أن تصل العساكر من الأطراف فالتمس الملك العادل تذكرة تتضمن إنهاء ما ينفصل الحال عليه فكتب تذكرة فيها المناصفات وذكر فيها من أمر بيروت أنه أصر على طلبها وأن نعطي صليب الصلبوت ويكون لهم في القمامة قس ويفتح لهم باب زيارتها بشرط أن لا يحملوا السلاح وكان الحامل على ذلك ما أخذ الناس من تعب مواظبة الغزاة وكثرة الديون والبعد عن الأوطان فإن من الناس من كان لا يفارق السلطان ولا يمكنه طلب دستور منه‏.‏

 ذكر مسير الملك العادل

وكان مسيره من القدس الشريف عصر الجمعة رابع ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ثم وصل كتابه من كيسان يخبر أنه لقيه الهنغري مع الحاجب أبي بكر رسولاً من الأنكتار يقوا إنا قد وافقنا على قسمة البلاد وأن كل من في يده شيء فهو له فإن كان ما في أيدينا زائداً أخذتم في مقابله ما يقابل الزيادة مما يخصنا وإن كان ما في أيديكم أكثر فعلنا كذلك ويكون القدس لنا ولكم فيه الصخرة‏.‏

هكذا كان مضمون الكتاب‏.‏

فأوقف السلطان عليه الأمراء فاستصوب ذلك الأمير أبو الهيجاء ورأى من حال هذا المقال أن يوافق عليه الملك العادل وهو مصلحة‏.‏

وسار الجواب إلى الملك العادل في ذلك‏.‏

ولما كان حادي عشر ربيع الأول وصل الحاجب أبو بكر صاحب الملك العادل يخبر أن الأنكتار سار إلى يافا من عكا وأن الملك العادل ما رأى أن يجتمع بخ إلا عن قاعدة منفصلة وأنه جرى بين هذا الحاجب وبين الأنكتار مفاوضات كثيرة حاصلها أنه نزل على أن تكون الصخرة لنا والقلعة في أيدينا والباقي مناصفة وأن لا يكون في البلد منهم مذكور وأن تكون قرى القدس وباطنه مناصفة ثم قدم الملك العادل في سادس عشر ربيع الأول من الغور ولقيه السلطان وحكى ما سبق من الخبر‏.‏

وفي بقية ذلك اليوم وصل من أخبر أن الإفرنج أغاروا على حلة عرب قريبة من الدارون وأنهم أخذوا منهم جماعة وأنهم أخذوا منهم زهاء ألف رأس غنم فعظم ذلك على السلطان وشق عليه فسير جماعة فلم تلحقهم‏.‏